يمثل سد العدوف في مديرية الشمايتين بمحافظة تعز شريان حياة، حيث يوفر المياه لمئات الأسر الريفية، لكنه تحول اليوم إلى مصدر رعب حقيقي، إذ يواجه خطر الانهيار، مما ينذر بكارثة إنسانية تهدد حياة وممتلكات السكان.
يستحضر أهالي القرى الريفية المحيطة بالسد إلى الأذهان مأساة انهيار سد مأرب القديم رغم أن السد لا تتجاوز سعته التخزينية 70 ألف متر مكعب، إلا أن موقعه الجغرافي يعني أن انهياره من شأنه أن يتسبب بكارثة إنسانية.
ويزداد قلق السكان وسط حالة من الضبابية والتجاهل من قبل الجهات المعنية، وحالة من التضارب في تصريحات المسؤولين حول حالة السد والإجراءات المتخذة للتدخل، مما يُضاعف حالة الخوف، ويؤكد أن الإجراءات الوقائية لا ترتقي إلى مستوى الخطر الداهم.
مواضيع مقترحة
-
تعز.. سيول جارفة تحصد الأرواح وتخلف خسائر مادية
-
السدود في اليمن: كيف تحولت إلى منشآت غير فعالة؟
- السدود اليمنية: حياة أم كارثة؟
علامات الخطر
مؤخراً، ظهرت على السد علامات واضحة تؤكد وجود خطر حقيقي يهدد بنيته، ووفقًا لسكان محليين، تتضمن أبرز هذه العلامات التشققات الواضحة وتسرب المياه من جسم السد، مشيرين إلى أن التشققات والتسربات تنذر بكارثة، وأن بيانات المسؤولين لا تتوافق مع الواقع الملموس على الأرض.
ويؤكد المهندس طه القدسي لـ “منصة ريف اليمن” أن هذه التشققات تنذر بـ”قنبلة موقوتة” تهدد بجرف الأراضي والممتلكات، موضحا أن الوضع يستدعي تدخلاً عاجلاً لتقييم الأضرار، واتخاذ المعالجات الهندسية اللازمة فوراً، حفاظاً على المخزون المائي الاستراتيجي وسلامة الأهالي الذين يقطنون أسفل السد.
في رد على المخاوف المتصاعدة، قدّم المسؤولون المحليون تفسيرات متباينة للأضرار التي لحقت بسد العدوف، مؤكدين في الوقت ذاته أن الخطر ليس وشيكًا، لكنه يتطلب تدخلاً سريعاً.

مدير إدارة الري في الشمايتين بالمحافظة “أحمد المليكي”، أوضح أن التشققات الحالية ناتجة عن بناء السد على فترتين زمنيتين دون ترابط كافٍ بينهما. ورغم تشديده على أن السد بُني وفق المعايير العالمية، فقد أكد المليكي لـ “منصة ريف اليمن” أن الأضرار ليست وشيكة، لكنها تستوجب تدخلاً سريعاً لإجراء الصيانة والترميم اللازمين.
من جانبه، أكد “سلطان علوان”، مدير مكتب الزراعة والبيئة في الشمايتين، على جهود المكتب والسلطة المحلية لترميم السد، مشيراً إلى أنه بناءً على تقرير المهندسين، لا توجد خطورة وشيكة على السد، لكنه شدد على ضرورة إجراء صيانة عاجلة.
تشمل الإجراءات العاجلة -وفق علوان- عدة خطوات رئيسية هي: إصلاح التسربات في جسم السد، وتنظيف بحيرة السد من الرواسب المتراكمة، وعمل حواجز ترسيبية أعلى البحيرة للحد من دخول الطميري، وإزالة الأشجار والشجيرات المحيطة بجسم السد، بالإضافة إلى تحفيز الأهالي للمساهمة في أعمال الصيانة والدعم.
وفي السياق ذاته، أيّد “محمد سلطان”، مدير مكتب الأشغال في الشمايتين، الرأي الرسمي، مؤكداً أن تقرير اللجنة التي عاينت السد ينفي وجود خطر انهيار وشيك، إلا أنه أقرّ بحاجته الماسة إلى أعمال صيانة وإصلاح فورية.
شريان حياة السكان
شُيّد سد العدُوف في عام 1996 ليصبح مصدرًا أساسيًا للمياه، ويستفيد منه آلاف السكان في العديد من القرى، بالإضافة إلى المزارعين، ويمتد تأثيره على طول وادي الأشروح وقدس وصولًا إلى وادي الضباب.
“محمد مقبل”، أحد المستفيدين، أكد أن السد يُعد بالفعل شريان الحياة لسكان المنطقة، ويستفيد الأهالي منه بشكل مباشر في تغذية الآبار والعيون الجوفية، وري الأراضي الزراعية، وتوفير مياه الشرب. وأضاف لـ “منصة ريف اليمن”: “قلق الأهالي يتزايد يومًا بعد يوم، فالسكان يخشون من أن يتحول مصدر حياتهم إلى كارثة إنسانية تودي بممتلكاتهم وحياتهم في أي لحظة”.
كما أن أي ضرر يصيب السد سيجعلهم يعانون من تحديات كبيرة في الحصول على المياه، خاصة وأن اليمن يعاني من شح الموارد المائية، وتتفاقم الأزمة بسبب تفاوت هطول الأمطار السنوية وتتابع أزمات الجفاف، التي أدت بدورها إلى انخفاض المحاصيل الزراعية بشكل ملحوظ، وزادت من حدة شح المياه في الكثير من المناطق. ويُذكر أن 27% من السكان في اليمن يفتقرون إلى إمكانية الوصول إلى المياه الآمنة، وفقًا لبيانات المنظمة الدولية للهجرة (IOM).
مطالب عاجلة
على النقيض من التصريحات الحكومية المطمئنة، دقت رئيسة مؤسسة فلوريش للتنمية، أمة الله، ناقوس الخطر، محذرة من أن انهيار السد لا يمثل كارثة إنسانية فحسب، بل يهدد المنطقة بأكملها بيئياً واقتصادياً، خاصة في ظل الأزمات المائية المتلاحقة التي تعاني منها تعز.
وأضافت أمة الله، يبقى التساؤل الأهم: ما الذي يحتاجه سد العدُوف في الوقت الحالي حتى لا تقع الكارثة؟ تتفق جميع الآراء -سواء من المهندسين أو السكان- على ضرورة التدخل السريع والفعال.
في ظل غياب أي تدخل فعلي من المنظمات، أطلقت أمة لله، مناشدات عاجلة مطالبةً المنظمات الدولية والمحلية بالتدخل الفوري لترميم السد قبل أن تتفاقم التصدعات ويصبح من المستحيل تدارك الكارثة.

في السياق ذاته، يطالب المهندس طه القدسي بتشكيل فرق هندسية فورية لتقييم وضع السد وتقديم حلول طارئة، وتخصيص ميزانية عاجلة لترميمه وتأمينه، مؤكداً على ضرورة إجراء صيانة عاجلة تشمل إصلاح التسريبات.
يأتي هذا الخطر على خلفية أزمة مائية أوسع في اليمن؛ إذ تشير تقارير دولية ومحلية إلى أن نحو 70% من سكان الريف يفتقرون إلى المياه المأمونة. وتُعد أزمة شح المياه من أبرز التحديات الاستراتيجية طويلة الأمد في اليمن، نتيجة للاستنزاف المستمر للمياه الجوفية.
وبين التحذيرات والتطمينات، يبقى مصير سد العدوف معلقاً بين الوعود الحكومية والحاجة الملحة للعمل، فهل ستتحرك الجهات المعنية لإنقاذ هذا الشريان الحيوي، أم ستتركه يواجه مصيراً مجهولاً قد يكرر مأساة سد مأرب القديم؟