حضرموت: شح المياه يُضاعف معاناة السكان في بروم

شهدت المنطقة انتشار وباء الكوليرا كإحدى النتائج المباشرة لنقص المياه

حضرموت: شح المياه يُضاعف معاناة السكان في بروم

شهدت المنطقة انتشار وباء الكوليرا كإحدى النتائج المباشرة لنقص المياه

يكابد سكان مديرية بروم ميفع غرب ساحل حضرموت أزمة مياه خانقة، مما جعل تأمين لترات قليلة من المياه الصالحة للشرب مهمة شاقة تثقل كاهلهم، لاسيما النساء والأطفال الذين يتحملون أعباء البحث عنها ونقلها بوسائل بدائية من مسافات طويلة.

تعيش “أم سالم” مع أسرتها في منطقة السفال بمديرية بروم ميفع تجربة يومية قاسية، بعدما أصبح الحصول على قطرة ماء نظيفة رحلة شاقة تستغرق ساعات.

وتؤكد أم سالم لـ “منصة ريف اليمن” أنها تضع الجرار على ظهر الحمار، وتجتاز الطرق الوعرة والمسافات الطويلة للوصول إلى مصدر المياه، ثم تعود وسط حرارة الشمس الحارقة واحياناً في برد الفجر بحثًا عن المياه، وهذا واقع يشاركه مئات الآلاف من السكان.


    مواضيع مقترحة

معاناة مضاعفة

تقول أم سالم: “أحياناً نتمكن من الحصول الماء، وأحياناً لا نجد المياه ، وكأن حياتنا كلها معلقة على أمل وصوله إلينا”. ولا تقتصر معاناة تأمين المياه على النساء فحسب، إذ يؤكد “أبو سالم” بأنهم أصبحوا يدفعون نصف دخلهم تقريباً على شراء الماء، في الوقت الذي فيه بالكاد يستطيعون تأمين قوت يومهم.

وأوضح أبو سالم أنه “حتى الأطفال يخرجون معنا في ساعات الفجر حاملين الجِرار بحثًاً عن ماء، وكثيراً ما يتعرضون للإصابة بأمراض؛ بسبب المياه الملوثة وغير الصالحة للشرب، نعيش بين العطش وغلاء الأسعار”.

ويصف الصحافي “أحمد باعساس” وضع المياه في ميفع بأنه “بين الحياة والموت في غرفة الإنعاش” ولا يصل إلا لمناطق محددة وينقطع عن غيرها، ويذكر فترات انقطاع استمرت من ثلاث إلى أربع سنوات متواصلة، لافتاً إلى أن الأزمة ليست جديدة، بل أنها تتذبذب بين الانقطاع والتشغيل قبل أن تتحرك بعض المشاريع الجزئية مؤخراً لتحسين الضخ، لكنها لم تنجح في إنهاء المعاناة.

يوضح باعساس تفاقم الأوضاع بسبب بُعد مصادر المياه، قائلاً لـ “منصة ريف اليمن”: “تبعد الأودية والسواقي نحو 4 إلى 5 كيلومترات عن المنطقة، هذا الواقع انعكس سلباً على السكان والمزارعين الذين جفت أراضيهم، وتراجعت إنتاجيتهم نتيجة توقف جريان السواقي”.

حضرموت: شح المياه يُضاعف معاناة السكان في بروم
يكابد سكان مديرية بروم ميفع غرب ساحل حضرموت أزمة مياه خانقة (ريف اليمن)

تداعيات صحية واقتصادية

تحولت أزمة المياه إلى تهديد مباشر لحياة السكان وصحتهم وأمنهم المعيشي؛ إذ إن غياب المياه الصالحة للشرب لا يعني فقط عطشاً متواصلاً، بل يفتح الباب أمام سلسلة من الأزمات الصحية والاقتصادية التي بدورها تُضاعف معاناة السكان.

شهدت منطقة بروم قبل نحو عام انتشار وباء الكوليرا، والذي اعتبره الأهالي إحدى النتائج المباشرة لنقص المياه النظيفة والاعتماد على مصادر ملوثة و غير آمنة، هذا الخطر المتكرر جعل حياة الأطفال والنساء أكثر هشاشة، في ظل ضعف الخدمات الصحية وصعوبة الوصول إلى مراكز العلاج.

ووفق إحصائية حديثة لدائرة الترصد الوبائي بمكتب الصحة في ساحل حضرموت، بلغ مجموع حالات الاشتباه بحمى الضنك 371 حالة، بينها 97 حالة في المديرية، فيما وصل عدد الإصابات بالكوليرا إلى 126 حالة منها 35 حالة بالمنطقة، وهي أرقام وصفها المواطنون بالمخيفة.

اقتصادياً ألقت الأزمة بظلالها الثقيلة على ميزانيات الأسر؛ إذ يضطر الكثير من السكان إلى دفع مبالغ تصل إلى خمسين ألف ريال يمني شهرياً لتأمين احتياجاتهم من المياه عبر صهاريج النقل الخاصة، و هو عبء يصفه الأهالي “بالقاتل”، خاصة أن معظمهم يعجز عن توفير قوت يومه، فكيف بتأمين الماء الذي يُفترض أن يكون حقاً أساسياً لا سلعة باهظة الثمن.


يواجه سكان القرى الريفية بمديرية بروم ميفع أزمة خانقة في المياه الصالحة للشرب، انعكست سلباً على حياتهم اليومية وضاعفت معاناتهم 


بحسب الصحافي باعساس، ظلت أزمة المياه في البداية غائبة عن اهتمام الجهات المعنية، لكن مع تصاعد الضغط الشعبي والإعلامي ورفع التقارير المصورة عن معاناة الأهالي، تحركت اللجنة المجتمعية بميفع برفقة شخصيات اجتماعية لعقد اجتماعات مع مدير مشروع المياه، وأسفر هذا الحراك عن بعض التدخلات المحدودة، لكنها لم ترق إلى مستوى الحل الجذري، وتبقى الأزمة قائمة إلى اليوم.

أسباب متداخلة

يؤكد مدير عام مديرية بروم ميفع، “خالد الجوهي” أن مشروع مياه ميفع يعد من أوائل المشاريع التابعة للمؤسسة المحلية للمياه بالمحافظة منذ ما قبل عام 2006، مشيراً إلى أن التوسع العمراني والزيادة السكانية يضعان تحديات مستمرة إلى جانب انعدام الوقود الذي يؤدي إلى توقف ضخ المياه.

وأوضح الجوهي لـ “منصة ريف اليمن” بأن “الإشكاليات قديمة وليست وليدة اليوم، وأن جميع الجهود تبذل بدعم وتنسيق مع الجهات المختصة بالمحافظة لتخفيف معاناة المواطنين”، مشيراً إلى أن مشكلة وصول المياه إلى بعض مناطق المديرية كانت من أبرز التحديات التي واجهتهم منذ استلامهم إدارة المديرية قبل ثلاث سنوات.

وتابع: “تم إجراء دراسة أولية للمشكلة بالتنسيق مع المؤسسة المحلية للمياه والصرف الصحي بالمحافظة، ثم بدأت الجهود لتأمين التمويل اللازم للمشروع”.

أزمة مستمرة

بحسب الجوهي تم تنفيذ مشروع لتحسين شبكة المياه بتكلفة تجاوزت خمسين ألف دولار بتمويل جمعية الوصول الإنساني، بهدف تحسين وصول المياه للمواطنين، وتدخلت السلطة المحلية بالمحافظة والمديرية، بالتنسيق مع المؤسسة المحلية للمياه، عبر حفر بئر وإصلاح آخر مع منظومة طاقة بتمويل من البرنامج السعودي وتنفيذ مؤسسة طيبة، وهو المشروع الذي انتهى قبل عدة أشهر.


 التوسع العمراني وانعدام الوقود حالا دون حصول السكان على الماء، ومن شأن صيانة شبكة المياه وتوفير الوقود أن يساهم في عودة المشروع


من جانبه يرى الصحافي باعساس أن السبب الأول في استمرار الأزمة يعود إلى قلة الديزل، والمماطلة واللامبالاة من إدارة المياه، إضافة إلى غياب الصيانة الدورية والربط العشوائي وانسداد الشبكة؛ وهو ما نتج عنه شعور المواطنين بانعدام الرقابة والمسؤولية من قبل الجهات المختصة.

وضمن حديثه لـ “منصة ريف اليمن” قدم باعساس عدداً من المقترحات، ومنها الصيانة الكاملة للمشروع بشكل دوري، وإصلاح الانسدادات في الشبكة، وربط البئرين اللذين أنشأتهما مؤسسة صلة للتنمية ومنظمة الوصول الإنساني، وحل مشكلة عدم وصول المياه.

كما تطرق إلى توفير أدوات صيانة وفريق فني متكامل، وتوفير كميات كافية من الديزل لضمان استمرار الضخ ووصول المياه إلى مختلف القرى الريفية بمديرية بروم ميفع في ساحل حضرموت.

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: