الإثنين, نوفمبر 10, 2025
.
منصة صحافية متخصصة بالريف في اليمن

حضرموت.. ريف حَجَرْ يختنق تحت وطأة التغير المناخي

تقف أم محمد (38 عاما)، وهي أم لخمسة أطفال، بجانب جالون فارغ في ساحة منزلها الطيني، في مديرية حجر بساحل حضرموت شرقي اليمن، تنتظر عودة ابنتها الصغيرة ذات الـ 12 عاما من رحلة طويلة إلى البئر لجلب المياه.

تقول أم محمد بحسرة: “أحيانًا ننتظر ساعات للحصول على قليل من الماء، وبناتي يتركن الدراسة للبحث عن الماء، بينما زوجي اضطر لترك الزراعة والبحث عن عمل مؤقت في المدينة، لكنه بالكاد يوفر لنا ما نعيش به”.

قصة أم محمد ليست استثناء، بل تعكس صورة متكررة في حجر؛ حيث أصبحت النساء والأطفال يتحملون العبء الأكبر من أزمة المياه، بينما تفقد الأسر مصدر رزقها الأساسي بسبب تقلبات المناخ؛ حيث تتشابك الأزمات بين المياه والزراعة والتعليم والصحة في ظل غياب الحلول المستدامة.


    مواضيع مقترحة


لم يعد التغير المناخي في حضرموت مجرد قضية بيئية عابرة، بل تحول إلى كابوس يومي يثقل كاهل السكان في مديرية حجر بساحل المحافظة، حيث تتقاطع معاناة الأسر الريفية بين ندرة المياه وتراجع الزراعة وغياب الاستجابات الرسمية.

أزمات متشابكة

لا تقف معاناة سكان ريف حجر عند أزمة واحدة، بل تتشابك أزماتهم اليومية في دائرة مغلقة يصعب كسرها، فموجات الجفاف المتكررة تعني فقدان المحاصيل الزراعية وهو ما يدفع الرجال للهجرة بحثا عن عمل بديل، فيما تتحمل النساء والأطفال عبء جلب المياه وتوفير الغذاء.

مع تراجع الدخل وغياب فرص الاستقرار تتفاقم الأوضاع الصحية والتعليمية، لتتحول حياة الأسر الريفية إلى سلسلة من الأزمات المتداخلة، يفاقمها غياب الخطط الحكومية وضعف الدعم الموجه للمناطق النائية، فيما يقول أحد المزارعين: “إذا لم نخسر محاصيلنا بسبب الجفاف، نخسرها بسبب السيول وفي الحالتين، نخسر مصدر رزقنا ونعود لنبدأ من الصفر”.


مع تراجع الدخل وغياب فرص الاستقرار تتفاقم الأوضاع الصحية والتعليمية، لتتحول حياة الأسر الريفية إلى سلسلة من الأزمات المتداخلة يفاقمها غياب الخطط الحكومية.


يشير الدكتور “عبدالقادر الخراز”، استشاري التغيرات المناخية وأستاذ تقييم الأثر البيئي بجامعة الحديدة، إلى أن حضرموت تشهد مظاهر متزايدة للتغير المناخي، من فيضانات وحالات مدارية تتحول إلى عواصف وأعاصير، ما ينعكس على مختلف القطاعات الحيوية.

ويضيف الخراز لـ”منصة ريف اليمن” أن “النساء والأطفال يتأثرون بشكل خاص في مجالات الأمن الغذائي والصحة والتعليم، حيث تؤدي تقلبات المناخ إلى موجات جفاف وفيضانات تُضعف الزراعة، وتزيد ندرة الموارد الغذائية؛ ما يضاعف الأعباء على النساء الريفيات اللواتي يقمن بدور أساسي في العمليات الزراعية.

لم تتوقف انعكاسات التغير المناخي في ريف حجر عند الزراعة والمياه فحسب، بل طالت التعليم والصحة، لتثقل كاهل الأسر بأزمات متلاحقة، وفي ظل هذا الوضع تُجبر الكثير من الفتيات على ترك الدراسة للمساعدة في جلب المياه، أو أعمال منزلية إضافية. تقول فاطمة (15 عامًا):”كنت أحب مدرستي كثيرًا، لكني لم أعد أستطيع الذهاب يوميًا، أمي تحتاجني لأساعدها في جلب الماء”.

انعكاسات قاسية

أما في الجانب الصحي، فتؤدي الفيضانات المتكررة إلى تكوين مستنقعات راكدة تنشر الأوبئة والحميات، إضافة إلى تلوث مصادر المياه وندرتها. ويواجه الأطفال والنساء مخاطر صحية مضاعفة في ظل غياب الخدمات الطبية وضعف إمكانيات المراكز الصحية في المناطق الريفية. يقول أحد الأهالي: “حين يمرض أطفالنا نضطر لنقلهم مسافة طويلة إلى المدينة، وأحيانًا لا نصل في الوقت المناسب”.

لم يعد التغير المناخي مجرد قضية بيئية عابرة، بل تحول إلى كابوس يومي يثقل كاهل السكان (ريف اليمن)

ويشير الخراز إلى أن الأزمات المناخية المفاجئة تدفع العديد من الأسر إلى إخراج أطفالها من المدارس أو إرسالهم إلى سوق العمل؛ ما يعمق من دائرة الفقر ويحد من فرص تمكين المرأة اجتماعيًا ومشاركتها في اتخاذ قرارات التكيف والمقاومة.

رغم إدراك المجتمع المحلي في ريف حجر لحجم المخاطر التي يفرضها التغير المناخي، فإن الاستجابات الرسمية ما تزال محدودة ولا ترقى إلى مستوى الأزمة، فالمشاريع الحكومية -إن وجدت- غالبًا ما تكون قصيرة المدى أو غير مكتملة، بينما تبقى المبادرات المجتمعية بسيطة ولا تتناسب مع سرعة التغيرات المناخية وتعقيدها.

ويؤكد الأهالي أن غياب حلول مستدامة في مجالات المياه والزراعة والصحة يجعلهم عالقين في دوامة متكررة من المعاناة، حيث يتجدد النزيف الاقتصادي والاجتماعي مع كل موجة جفاف أو فيضان جديد.

وينوّه الخراز إلى أن المخاطر ستتفاقم عاما بعد عام في ظل ضعف التدخل الحكومي وغياب الخطط طويلة الأمد، ما يستدعي الاستثمار في حلول جذرية ومستدامة بدل الاعتماد على ردود أفعال مؤقتة.

غياب الحلول 

لمواجهة آثار التغير المناخي المتزايدة في ريف حجر، يؤكد الخبراء على ضرورة تبني حلول عملية ومستدامة تضمن تلبية احتياجات الأسر الأساسية، وتخفف من حدة الأزمات المتفاقمة في الزراعة والمياه والمعيشة.

في مقدمة هذه الحلول يأتي اعتماد التقنيات الزراعية الحديثة، مثل الزراعة العضوية ونظام الري بالتنقيط، لما لها من دور في ترشيد استهلاك المياه وزيادة كفاءة الإنتاج الزراعي، وتحسين عملية جمع المياه ومعالجتها لضمان توفير مصادر آمنة للاستخدام المنزلي والزراعي، إلى جانب تنويع المحاصيل الزراعية لتقليل حجم الخسائر الناجمة عن موجات الجفاف أو الفيضانات.


يؤكد الأهالي أن غياب حلول مستدامة في مجالات المياه والزراعة والصحة يجعلهم عالقين في دوامة متكررة من المعاناة، مطالبين بتبني حلول مستدامة


يرى الخبراء أن من المهم تقديم برامج تدريبية للأسر الريفية لتمكينها من التكيف مع تغير المناخ، واستخدام مواردها المحدودة بطرق أكثر استدامة، أما على الصعيد الاجتماعي، فيشكل دعم تعليم الفتيات وضمان استمراره خطوة محورية في تعزيز قدرة المجتمع على مواجهة الأزمات المناخية؛ إذ ينعكس التعليم إيجابًا على وعي الأسرة وإدارتها للموارد.

وفي مجال الطاقة، تبرز الحاجة إلى الاستثمار في الطاقة المتجددة كحل عملي لتوفير الكهرباء في المناطق النائية وتقليل الاعتماد على مصادر الطاقة الملوِّثة والمكلفة، مشددين على أهمية تعزيز التعاون مع المنظمات المحلية والدولية لتبادل الخبرات، وتنفيذ مشاريع تنموية تراعي البعد البيئي والاجتماعي، وتعمل على بناء مجتمعات أكثر مرونة وقدرة على الصمود أمام التغيرات المناخية.

مع استمرار التغير المناخي بوتيرته المتسارعة، يظل مستقبل الأسر الريفية في حجر رهينا بمدى جدية السلطات والمنظمات في تبني حلول جذرية ومستدامة تحفظ ما تبقى من استقرار حياة الناس وكرامتهم، قبل أن تتسع فجوة المعاناة أكثر.

*صورة الغلاف من (فرانس برس)

شارك الموضوع عبر: