يعاني سكان القرى الريفية في محافظة تعز من مشكلة تراكم النفايات والمخلفات في الأودية وبالقرب من منازلهم، إذ يواجهون صعوبة كبيرة في التخلص منها، حيث يضطرون إلى استخدام طرق بدائية وغير آمنة، مثل رميها في مجاري السيول، مما يشكل تهديدًا خطيرًا على البيئة وصحة الإنسان.
تتفاقم معاناة السكان خلال فصل الصيف، حيث تتجمع مياه الأمطار في الجبال وتتدفق منها السيول التي تجرف بدورها المخلفات نحو الأودية والأراضي الزراعية، وتؤثر سلبًا على جودة وخصوبة التربة، كما أنها تلوث مصادر المياه السطحية، وتؤدي إلى تكاثر الحشرات التي تسبب العديد من الأمراض.
يقول “عبدالكريم مقبل”، أحد وجهاء مديرية سامع، إن القرى الريفية تعاني من تكدس المخلفات والقمامة في الطرقات ومجاري السيول نتيجة إهمال المواطنين مضيفاً لـ” منصة ريف اليمن”: “تسبب المخلفات بتشويه مناظر القرى بعد أن كانت القرى والأرياف تتمتع بالنظافة والجمال”.
مواضيع مقترحة
-
تعز: الصرف الصحي في قَدَسْ كارثة صحية بلا حلول
-
مياه الصرف الصحي والنفايات.. قاتل يتفشى بالأرياف
-
الصرف الصحي في سامع: تلوث للمياه وأوبئة تهدد السكان
مخاطر بيئة وصحية
يؤكد مقبل أن مجاري السيول في عزلة حوراء، مركز مديرية سامع بريف تعز تمتلئ بأطنان من القمامة والمخلفات التي تراكمت على مدار عام كامل؛ إذ ساهم تأخر هطول الأمطار، وعدم قيام المواطنين بالتخلص من مخلفاتهم بشكل سليم، إلى تراكمها بصورة كبيرة.
وفي عزلة الكلايبة بمديرية المعافر، تواجه المنطقة مشكلة مماثلة، ووفقًا للمهندس “أنس عبدالجبار”، أحد سكان المنطقة، فإن “مشكلة القمامة حقيقية وخطيرة، قلة قليلة من السكان تحرق القمامة بطريقة غير آمنة، بينما يرميها الأغلبية بالقرب من منازلهم أو في مجاري السيول”.
وأكد عبدالجبار لـ” منصة ريف اليمن” أن “السيول القادمة من جبل صبر والتي تمر بمديرية المسراخ تجلب معها كميات كبيرة من النفايات، التي تتوزع في أودية الكلايبة؛ مما يضاعف المشكلة ويزيد من آثارها”.
وتابع: “تمتلئ أحياء القرى الريفية بالمخلفات القادمة من جبل صبر؛ مما يدل على أن سكان تلك المناطق يرمون النفايات في مجاري السيول”.
كما أوضح أن التخلص من القمامة والمخلفات بهذه الطريقة العشوائية يسبب للمواطنين أمراضًا خطيرة مثل الملاريا، وحمى الضنك، والتيفوئيد، وغيرها. كما أن الدخان الناتج عن حرقها بطريقة غير صحية يضر بالجهاز التنفسي، ويسبب أمراضًا مثل الحساسية والربو.
وقال عبدالكريم، وهو مدير مدرسة في سامع، لـ “منصة ريف اليمن” إن “انتشار المخلفات يدعو للحسرة، لأن وجودها -خاصة في موسم الأمطار- يؤدي إلى تفشي الأمراض، وبالأخص الإسهالات بين الأطفال والكبار على حد سواء”.

المهندس “بدري أحمد”، المدير العام لمكتب الهيئة العامة لحماية البيئة فرع تعز، قال إن “المخلفات الصلبة والسائلة تشكل قلقًا متزايدًا بسبب تأثيرها على التربة، وجودة الهواء، والمياه، وغيرها”.
وأوضح بدري لـ” منصة ريف اليمن” بأن “المخلفات المنزلية، من مواد بلاستيكية وعضوية ومخلفات سائلة وصرف صحي، تشكل تهديدًا خطيرًا على البيئة، إذ إن مخلفات القمامة وما تحمله من حفاظات أطفال ومواد بلاستيكية عضوية تلوث المياه عندما تتدفق السيول وتغذي الآبار السطحية، كما أنها تساهم في انتشار الأوبئة مثل التيفوئيد، والكوليرا، والإسهالات”.
وتابع: “النفايات تؤدي إلى تجميع المياه وتكوين المستنقعات المائية، وبالتالي يتكاثر فيها البعوض وتنتشر الأوبئة مثل حمى الضنك أو الملاريا، وغيرها من الأمراض الناتجة عن عدم إزالة هذه النفايات الصلبة والسائلة”.
من جانبه أوضح المهندس أنس أن المخلفات التي تُرمى في مجاري السيول تسبب انسدادًا لمجاري المياه، مما يؤدي إلى انتشار الروائح الكريهة وتكاثر الحشرات والقوارض، وتلوث الهواء بالدخان السام الناتج عن الحرق أحيانًا، كما قد تتسبب في تغيير مسار السيل، ما يؤدي إلى انجراف التربة، وقد تحدث كوارث بشرية في حال تدفق السيل بكميات كبيرة.
تهديد للزراعة
تتأثر الأراضي الزراعية بالمخلفات، خاصة البلاستيكية، حيث تختلط النفايات بالتربة وتفقدها خصوبتها، كما تتسرب المواد السامة إلى مياه الري، مما يؤدي إلى ضعف جودة المحاصيل وتراجع الإنتاج.

ويؤكد المهندس أنس أن “المخلفات لا تضر البيئة والإنسان فقط، بل تؤثر حتى على الحيوانات، حيث تتلوث المراعي والوديان، مما يؤدي إلى إصابة الحيوانات بالتسمم والأمراض، وهو ما ينعكس سلبًا على حياة السكان”.
في ظل المخاطر الزراعية والبيئية، يؤكد السكان غياب دور الحكومة وصندوق النظافة والتحسين، الذي يقتصر دوره على أسواق ومراكز المديريات، التي تعاني بدورها من تكدس القمامة والمخلفات.
ووفقًا لـ”ربيع جليل”، أحد سكان حصبان في مديرية المسراخ، فإن صندوق النظافة الحكومي غائب تمامًا، حتى عن حملات التوعية التي توجه الناس بكيفية التخلص من القمامة والمخلفات.
حلول ممكنة
يتطلب التخلص من النفايات في القرى الريفية بمحافظة تعز حلولًا مستدامة، تشمل تعاون المجتمع والدولة والمنظمات المحلية والدولية. وتتمثل أبرز تلك الحلول في توفير بنية تحتية لجمع وترحيل المخلفات إلى أماكن خالية من السكان وغير صالحة للزراعة، وإحراقها بشكل صحي.

يؤكد المهندس بدري أن الحل يكمن في “تجميع القمامة بطريقة جيدة، حيث يمكن إيجاد مكب أو مصنع لإعادة تدوير النفايات البلاستيكية والمخلفات المختلفة والمواد العضوية التي يمكن تحويلها إلى أسمدة، للخروج من هذه المشكلة البيئية الخطيرة”.
ولفت إلى ضرورة إيجاد مساحة كافية لإنشاء مصنع لإدارة وتدوير المخلفات، بما يحافظ على البيئة ولا تكون له أي تأثيرات سلبية، معتبرًا أن هذا هو الحل الأمثل.
كما أوضح بدري لـ” منصة ريف اليمن” بأنه عند وجود مجمع للمخلفات بطريقة علمية صحيحة وصديقة للبيئة، بحيث لا تكون هناك آثار سلبية مثل الحرائق والدخان المتصاعد، أو تجمع الذباب أو الحيوانات، سيكون له أثر إيجابي إذا صُمم بطريقة هندسية فنية تراعي الاشتراطات البيئية والمعايير الدولية. واختتم حديثه مشددًا على ضرورة إيجاد مكب يتوسط مديريات تعز ويكون سهل الوصول إليه، ومجهزًا بطريقة فنية وهندسية.