تواجه النساء ذوات الإعاقة في المناطق الريفية اليمنية تحديات جمة، ويحرمن من أبسط حقوقهن الأساسية، مثل التعليم، والزواج، والرعاية الصحية. ورغم المعاناة تمارس بعضهن أعمالا شاقة تفوق قدراتهن الجسدية.
في هذه المناطق، لا تمثل الإعاقة الحركية حاجزا أمام بعض النساء، فهن يشاركن في أنشطة يومية مرهقة، مثل تنظيف التربة، وحفر الأرض، وتنظيم السواقي، وغيرها من الأعمال المضنية، مستثمراتٍ ما تبقى من قدراتهن البدنية.
مواضيع ذات صلة
-
تعز.. جهود نسوية لمساعدة ذوي الإعاقة في الريف
-
مرضى التوحّد: معاناة صامتة خلف الجدران
-
ذوي الإعاقة في الأرياف.. الأكثر تهميشا بالمجتمع
حرمان من الزواج
“عطية سيف (اسم مستعار)”، سيدة خمسينية من ريف تعز، تعاني من شلل جزئي في ساقيها نتيجة إصابتها بالحمى الشوكية في طفولتها، لكنها تظل مثالا حيا للكفاح رغم الإعاقة.
لا تتوقف عطية عن العمل اليومي، حيث تستخدم يديها في الحفر، وتنظيف الأرض، وتنظيم مجاري المياه، وما تزال عطية تعيش في بيت والدها، في حين تزوج أشقاؤها وشقيقاتها وأصبحوا أجدادا، رغم مساهمتها الدائمة في أعمال المنزل وتربية الأطفال.
وتقول لمنصة ريف اليمن: “ما توقفت يوم عن الشغل؛ أساعد بسقي الأرض، وتنظيف التربة بيدي، لكن الإعاقة كانت كافية لعزلي، وجعلتهم يشوفوني أني ما أستحق الزواج”.
الناشطة في حقوق ذوي الإعاقة الشباب “الروميصاء يعقوب”، تؤكد أن “الخجل والازدراء هما السبب الأكبر في حرمان النساء المعاقات من حياة طبيعية. وتضيف لمنصة “ريف اليمن: “وصمة الإعاقة لا تلاحق الفتاة وحدها، بل تمتد لتطال شقيقاتها، فتقل فرص زواجهن لمجرد وجود أخت ذات إعاقة في الأسرة”.
لا تمثل الإعاقة الحركية حاجزا أمام بعض النساء، فهن يشاركن في أنشطة يومية مرهقة، مثل تنظيف التربة، وحفر الأرض، وتنظيم السواقي، وغيرها من الأعمال.
وتوضح الروميصاء أن مجرد وجود عرج بسيط كفيل بتصنيف الفتاة “غير صالحة للزواج”، بينما يغض الطرف عن إعاقة الرجل، بل يساعد على إيجاد زوجة له بدافع الشفقة أو دعم المجتمع؛ إذ يربط المجتمع الريفي بين الجسد الكامل و”الأنوثة المؤهلة”، وينكر حق المرأة المعاقة في تكوين أسرة، ويتعامل معها ككائن غير مكتمل مهما كانت قدرتها على العمل والعيش بكرامة.
وبحسب تقرير منظمة العفو الدولية 2019، لا تقل نسبة الذين يعانون من الإعاقات في اليمن عن أربعة ملايين نسمة، في وقت قدّرت فيه منظمة الصحة العالمية نسبتهم بنحو 15% من إجمالي عدد السكان في الدول النامية.
لا رعاية صحية
تشكو النساء ذوات الإعاقة في ريف اليمن أيضا من غياب شبه تام للرعاية الصحية، وتؤكد الدكتورة “نهى العريقي”، أخصائية النساء والتوليد، أنها خلال ثلاث سنوات من عملها في الأرياف لم تستقبل أي حالة لامرأة ذات إعاقة.
وتضيف لمنصة ريف اليمن: “خلال عملي، لم تصلنا أي امرأة ذات إعاقة حركية للفحص أو العلاج، باستثناء بعض إصابات العيون، أما الإعاقات الحركية فلم نرها إطلاقا في العيادات”. وتستدرك قائلة: “غيابهن عن العيادات لا يعني أنهن غير موجودات، بل يدل على إقصاء اجتماعي وصحي شامل”.
وينص القانون اليمني رقم (61) لعام 1999 على حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في مختلف المجالات، بما في ذلك الرعاية الصحية. كما ينص القانون رقم (2) لعام 2014 على تحسين جودة الحياة للأشخاص ذوي الإعاقة من خلال توفير الرعاية الصحية والتعليم والعمل، وتخصيص بيئة ملائمة تضمن لهم الوصول إلى خدمات صحية متخصصة.
ولا تقتصر معاناة النساء ذوات الإعاقة على الجانب الجسدي فقط، بل تشمل نظرة المجتمع إليهن كعبء، وتحرم النساء ذوات الإعاقة السمعية من التواصل الطبيعي في الأرياف بسبب غياب من يجيد لغة الإشارة؛ ما يدفع بعضهن لتعلم قراءة الشفاه للتواصل مع الآخرين في بيئة لا تبذل أي جهد لاحتوائهن.
صعوبات الاندماج
“نجود إسماعيل”، طفلة في التاسعة من عمرها من محافظة ريمة، هي مثال آخر على هذه المعاناة، فهي تعيش عزلة تامة بسبب إعاقتها السمعية، دون أن تتعلم أي وسيلة تواصل، أحضرتها والدتها إلى مركز طبي بحثا عن سماعة، لكنها عادت خالية الوفاض بسبب غياب الدعم.
ينص القانون اليمني على حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة من خلال توفير الرعاية الصحية والتعليم والعمل، وتخصيص بيئة ملائمة تضمن لهم الوصول إلى خدمات صحية متخصصة.
أما النساء ذوات الإعاقة الحركية، فغالبا ما يجبرن على البقاء في منازلهن بسبب انعدام وسائل التنقل المناسبة، وافتقار البنية التحتية لأي تجهيزات تراعي احتياجاتهن، ليصبحن أسيرات للجدران، يعانين من العجز ووصمة العار معا.
ويوضح تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة (FAO) أن النساء ذوات الإعاقة في المناطق الريفية يواجهن تهميشا مزدوجا بسبب إعاقتهن، وبسبب النوع الاجتماعي؛ ما يحد من حصولهن على الموارد الزراعية، والدعم المؤسسي.
لا تسري معايير الزواج ذاتها على الذكور والإناث من ذوي الإعاقة في الريف اليمني؛ فبينما يُغض المجتمع الطرف عن إعاقة الرجل ويتيح له فرصة الزواج، بل ويساعده أحيانا في إيجاد زوجة تسانده وتقف إلى جانبه في تسيير أمور الحياة.
“تعامل المرأة المعاقة كعبء غير مؤهل للحياة الأسرية؛ إذ ينظر إلى الرجل المعاق باعتباره ما يزال قادرا على الزواج، ويعزز هذا التصور دعم الأهل والمجتمع، وأحيانا شفقة بعض النساء اللواتي يقبلن به زوجا، أما المرأة المعاقة، فتوصف بأنها ناقصة، ويلغى دورها كزوجة وأم حتى قبل أن يمنح لها”، تقول الروميصاء.
هذا التمييز لا يعبر فقط عن خلل في المفاهيم، بل يجسد فجوة عميقة في العدالة الإنسانية، فالتحدي الأكبر للمرأة المعاقة في ريف اليمن ليس إعاقتها الجسدية، بل العقلية المجتمعية الضيقة التي تحكم عليها بناء على معايير سطحية للجمال والجدارة.