شهدت مدينة عدن جنوبي اليمن، يوم الثلاثاء الموافق 19 أغسطس الجاري، أمطارًا غزيرة وعواصف رعدية ورياحًا شديدة، وذلك نتيجة تأثر سواحلها الجنوبية بمنخفض جوي، حيث سجلت المدينة هطول ما يقارب 70 ملم من الأمطار، مما أدى إلى تدفق سيول جارفة وتسبب في أضرار مادية كبيرة.
بدأ هطول الأمطار الغزيرة عند الساعة الثانية والنصف فجرًا، وتركزت شدتها على مديريات كريتر، والمعلا، وخورمكسر، إذ صاحبها رياح قوية وصواعق رعدية، وغمرت مياه الأمطار معظم الشوارع الرئيسية.
وتتعرض مدينة عدن، بوصفها مدينة ساحلية، بشكل متكرر للمنخفضات الجوية التي تتشكل في بحر العرب وخليج عدن. وتؤدي هذه المنخفضات إلى هطول أمطار غزيرة ورياح عاتية، مما ينتج عنه سيول جارفة وأضرار واسعة النطاق.
مواضيع مقترحة
-
كيف تتأثر اليمن بزيادة مستوى سطح البحر العالمي؟
-
محمية الحسوة في عدن: وجهة الطيور تحتاج إنقاذ
-
مدينة عدن.. أرض النسيم والبحر والتجارة الحرة
أضرار واسعة
تسببت الأمطار الغزيرة والسيول الجارفة التي شهدتها مدينة عدن في وقوع أضرار وخسائر كبيرة في الممتلكات، حيث أدت شدة الفيضانات إلى انقطاع خط الجسر الرابط بين مديريتي خورمكسر والمنصورة بسبب ارتفاع منسوب المياه، إضافة إلى تعطل عدد من المركبات بعد أن غمرتها السيول.
ومدينة عدن يبلغ عدد سكانها حوالي مليون نسمة على الساحل الجنوبي الغربي لليمن، وقد تأثرت بشكل كبير بالحرب المستمرة في البلاد خلال السنوات الماضية.
وفي ظل تدهور الأوضاع الجوية، تعذّر هبوط رحلتي الخطوط الجوية اليمنية القادمتين من القاهرة، حيث تم تحويل مسارهما إلى مطار جيبوتي، وفقًا لتطبيقات تتبع الرحلات الجوية.
ومن شأن هذه الفيضانات أن تؤدي إلى تدهور الأوضاع البيئية والصحية، حيث تساهم مياه السيول الراكدة في انتشار الأمراض المعدية مثل الكوليرا والتيفوئيد، كما تفاقم المشاكل البيئية بسبب تدفق القمامة والمخلفات في الشوارع.
وتأتي الفيضانات المفاجئة التي تشهدها مدينة عدن في ظل محدودية الإمكانات المتاحة للتعامل مع حجم كميات المائية الهائلة، وسط منشدات بوضع خطط وقائية وبنية تحتية قادرة على التعامل مع تكرار هذه الفيضانات، خاصة مع تزايد تأثيرات التغيرات المناخية.

عدن معرضة بشدة لمخاطر المناخ
بحسب دراسة ميدانية لشبكة الهجرة الدولية «MMC» تعد مدينة عدن معرضة بشدة لمخاطر المناخ، حيث أفادت الغالبية العظمى من استطلعت آرائهم بأنهم تعرضوا لحدث مناخي واحد على الأقل، وأكثرها شيوعًا هطول أمطار غير متوقع أو حرارة شديدة.
تعاني مدينة عدن من عدة مشكلات ناتجة عن التغيرات المناخية منها ارتفاع درجة الحرارة، التي بدورها تؤثر سلبًا على صحة السكان، بالإضافة إلى الفيضانات في عدن نتيجة الأمطار الغزيرة وغير المتوقعة تؤدي إلى تدمير البنية التحتية مثل الطرق والمباني وخسائر في الأرواح.
وشهدت عدن أمطارًا غزيرة ورياحًا شديدة أدت إلى في يونيو عام 2019، أدت إلى سيول جارفة تسببت في أضرار مادية كبيرة، ودخول المياه إلى المنازل والمحلات التجارية، كما أدت إلى وفاة عددًا من المدنيين.
بالإضافة إلى ذلك تواجه مدينة عدن خطر ارتفاع سطح البحر إذ توقع التقرير التقييمي الرابع للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ ارتفاع معدل منسوب سطح البحر على الصعيد العالمي 18-59 سم في نهاية هذا القرن، وفق ورقة بحثية بعنوان “عدن مهددة بارتفاع مستوى سطح البحر” 2019، للباحثة ندى السيد من جامعة عدن.
وعلى الصعيد الإقليمي أظهر الباحثان اونكرشيان وشانكار، واللذان يرصدان الزيادة من خلال محطة رصد شمال المحيط الهندي، في بحث لهما عام 2007، بأن مستوى سطح البحر في عدن يرتفع بحوالي 2 مليمتر/ سنة، وهو ما يشبه مستوى سطح البحر العالمي.
وتعد اليمن واحدة من أكثر بلدان العالم عرضة لتأثير أزمة المناخ، لكنها الأقل استعدادا لمواجهتها أو التكيف معها، خصوصاً في تداعيات الحرب التي تعصف بالبلاد منذ عشر سنوات.

تأثيرات الفيضانات على النازحين
ووفق دراسة الهجرة والبيئة وتغير المناخ «MEC» على مدى السنوات الخمس التي سبقت جمع البيانات، كان المهاجرون والنازحون من بين الأكثر تضررًا، لا سيما أولئك الذين يعانون من نزوح طويل الأمد ومساعدة محدودة.
وتُعد مدينة عدن من أبرز المدن المستضيفة للنازحين، حيث يعيش فيها نحو 100 ألف نازح داخلي في ظروف صعبة داخل مخيمات مؤقتة وتجمعات غير رسمية، أو في مناطق حضرية مكتظة، مما يزيد الضغط على البنية التحتية والخدمات العامة – بحسب الدراسة- ويقيم عدد من النازحين والمهاجرين في مساكن مؤقتة تقع في مناطق منخفضة معرضة للفيضانات، خاصة في المناطق الساحلية، ما يجعلهم عرضة لتقلبات الطقس والمخاطر المناخية.
ووفقًا لدراسة ميدانية، فإن تدهور سبل العيش دفع العديد من الأسر إلى تبني استراتيجيات سلبية للتكيف، مثل بيع ما تبقى من الأصول، أو إرسال أفراد منها إلى المدن المجاورة أو إلى الخارج، لا سيما إلى دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تُعد تحويلات العمال المهاجرين مصدر دخل حيوي لمن تبقى في اليمن.
كما تستضيف عدن نحو 20 ألف مهاجر، معظمهم من الصومال، إلى جانب مهاجرين من إريتريا وإثيوبيا. وعلى الرغم من أن النزاع يُعد السبب الرئيسي لهجرتهم، إلا أن العديد منهم أشاروا أيضًا إلى تأثير الجفاف في مناطقهم الأصلية. ويعتبر كثير من هؤلاء المهاجرين عدن محطة عبور نحو دول الخليج، بغض النظر عن توفر الموارد اللازمة لذلك.

أما اليمنيون، وخاصة الشباب، فقد انتقلوا إلى عدن لأسباب متعددة، منها البحث عن فرص عمل، والهروب من الفقر، أو الفرار من ندرة المياه في المناطق الريفية. ورغم التحديات، أظهرت الدراسة أن معظم المشاركين يتمتعون بقدر كبير من الصمود، حيث وصفوا تأثيرات المخاطر المناخية بأنها “معتدلة”، وأكدت غالبية الأسر قدرتها على تلبية احتياجاتها الأساسية، وهو ما يُعزى إلى توفر الخدمات بشكل أكبر في المدينة مقارنةً بالمناطق الأخرى.
وتخلص الدراسة إلى أن التوازن بين القدرة على الصمود والتنقل سيعتمد بشكل كبير على توفر الدعم والموارد. ففي حال توفر دعم معتدل على الأقل، من المرجح أن يبقى معظم السكان في أماكنهم. أما إذا تفاقمت المخاطر المناخية وتراجعت المساعدات، فقد يشهد اليمن زيادة في التنقل الطوعي، إلى جانب ارتفاع حالات عدم القدرة على الحركة، مما سيضاعف الضغوط على الأسر الأكثر هشاشة.
على مدار السنوات الماضية، شهد اليمن نزوحًا داخليًا واسع النطاق، حيث اضطر نحو 4.5 مليون شخص إلى مغادرة مناطقهم الأصلية نتيجةً لتفاقم الصراع وتدهور الأوضاع المعيشية، لا سيما في المناطق الريفية التي تعاني من ضعف الوصول إلى المياه والكهرباء والأسواق والخدمات الأساسية.