الإثنين, نوفمبر 10, 2025
.
منصة صحافية متخصصة بالريف في اليمن

“الصّبِر المُر” ملجأ أسرة يمنية للعيش

رحلة مضنية يخوضها الستيني “حسان صُرح” في استخراج مادة صَبّار الأولوفيرا أو ما يعرف محليا بـ”الصبر” من الجبال برفقة زوجته خميسة ذات الخمسين عامًا. يستيقظ الزوجان كل صباح مع بزوغ الشمس للبحث عن صَبّار الأولوفيرا في جبال العود الواقعة شمال محافظة الضالع جنوبي اليمن.

 بعزيمة ممزوجة بالصبر والكفاح، يسعى “صُرح” المنحدر من محافظة تعز، لتأمين قوت أسرته المكونة من ثمانية أفراد، متجاهلا وعورة الطرق والمنحدرات الجبلية، حيث يعمل مع زوجته تحت ظروف قاسية تمتد لأكثر من عشر ساعات يوميًا، متحملَين الجوع والعطش ومشقة السفر.

صبار الألوفيرا نبات عصاري معروف بفوائده الطبية والجمالية، ينتشر في المناطق الجبلية اليمنية، ويستخدم بشكل شائع لعلاج الحروق والجروح، ترطيب البشرة، وتجديد خلايا الشعر. وعلى الرغم من فوائده، يُفضل استشارة الطبيب قبل استخدامه.


        مواضيع مقترحة

يعتمد صرح وزوجته على أدوات بسيطة لجمع مادة الصبر، والتي تُعد من الموارد الحيوية التي توفر لهما مصدر دخل قليل يبقيهم على قيد الحياة، تتكرر هذه الرحلات يوميًا، حيث يعانيا من نقص الموارد، وصعوبة التنقل، وغياب الدعم الحكومي؛ مما يزيد من معاناة الأسرة ويضعها على حافة اليأس.

الملجأ الأخير

بصوت مثقل بالهموم يروي صرح تجربته الشاقة في جمع نبتة الصبر (الألوفيرا)، فيقول: “منذ بداية الحرب وأنا أعمل مع زوجتي وشريكة عمري في هذه المهنة الشاقة التي استقينا منها الصبر ومرارته، نعمل بمصروفنا اليومي، وبالكاد نستطيع أن نجمع احتياجاتنا الأساسية من دقيق وسكر، وغالبًا لا يغطي ثمنها سوى القليل من تلك الاحتياجات الأساسية”.

"الصّبِر المُر" ملجأ أسرة يمنية للعيش
نبات “الصبّر” قبل استخراج العصارة منه والتي تستخدم للتجميل أيضاً (ريف اليمن)

ويضيف: “نجمع كل يوم ما يقارب خمسة لترات، فنبيعها بثلاثة آلاف ريال، حيث نضطر للعمل متحملين الجوع، والعطش، وحرارة الشمس، وفي ظل هذه الظروف، لا يخلو الأمر من مخاطر وصعوبات نتعرض لها كل يوم”.

“نتعرض للكثير من المخاطر ونواجه العديد من المشاكل، فقد تعرضت للدغة ثعبان، كادت أن تودي بحياتي، وتعرضت زوجتي مرات عديدة للسقوط من أماكن مرتفعة، مما أدى إلى كسر ذراعها”، يقول صرح.

وأردف بحزن: “نحن نعيش ظروفا مأساوية، يظن الجميع أننا نتقاضى الكثير من المال مقابل هذا العمل الشاق، لكن في الحقيقة نحن نموت ببطء، خرجنا من البيت وأولادي يتضورون جوعا على أمل أن نشتري لهم الدقيق، لكن أملنا بالله لن يخيب”.

اجتثاث النبتة

وعن خطورة قطع شجرة الصبر على الطبيعة، قال الخبير الزراعي “عبدالله أحمد” إن نبات الصبر تعرض للاجتثاث في العام 2017 من قبل بعض التجار الذين كانوا يأتون إلى المنطقة لاستخراج الصبر، وهذا الأمر عرض النبتة للندرة؛ حيث كانت المنطقة مليئة بنبات الصبر.

وشدد أحمد لـ “منصة ريف اليمن”، على “ضرورة الرقابة المجتمعية لهذه النبتة المليئة بالفوائد، موضحًا أن الطريقة التي يقوم بها حسان في استخراج الصبر هي الطريقة الصحيحة، ونحن لا نمانع أن تكون مصدر دخل لأسرته، مع ضرورة الحفاظ عليها من الاجتثاث”.

"الصّبِر المُر" ملجأ أسرة يمنية للعيش
يتم استخراج “الصبّار” في علب بلاستكية للبيع والحصول على عائد مادي للعيش (ريف اليمن)

تسببت الحرب بنزوح العديد من الأسر، ومن بينها أسرة حسان التي اضطرت إلى ترك منزلها في مفرق المخا، والانتقال إلى مديرية العدين بمحافظة إب، بعدما دُمرت ممارساتهم الاقتصادية والتجارية، وأصبحوا يعيشون في ظروف أقسى، بدون موارد ثابتة.

تعتمد أسرة حسان بشكل رئيسي على منتجات الطبيعة وموارد الدعم المحدودة، هذه التحديات أدت إلى تفاقم الأوضاع الصحية والنفسية، خاصة مع ضعف الخدمات الصحية والتعليمية.

ويقول الخبير الاقتصادي فارس النجار لـ”منصة ريف اليمن”، إن الأوضاع الاقتصادية في اليمن، خاصة في المناطق المتأثرة بالحرب، تتطلب تدخلات عاجلة ومستدامة لتعزيز قدرات المجتمعات المحلية على الصمود.

تأثيرات الحرب

ويضيف: “طرق جمع الموارد التقليدية مثل الصبر تعتبر جزءًا من الاقتصاد غير الرسمي، لكنها ليست كافية لضمان استقرار الأسرة أو دعم التنمية الشاملة، وعلى الحكومة والمنظمات الدولية توفير برامج دعم مستدامة لتمكين السكان من تطوير قدراتهم الاقتصادية، وتحسين سبل العيش المستدامة؛ مما يضمن لهم الاستقرار المعيشي”.

ويؤكد أن رحلة حسان وزوجته معاناة إنسانية تسلط الضوء على تداعيات الحرب في اليمن، خاصة على الفئات الضعيفة والأسر النازحة، وتتطلب هذه الظروف تضافر جهود المجتمع الدولي، والمنظمات الإنسانية، والحكومة لدعم الأسر وإعادة بناء قدراتها الاقتصادية والصحية؛ لتمكينهم من تجاوز الأزمة وتحقيق حياة كريمة ومستقرة.

"الصّبِر المُر" ملجأ أسرة يمنية للعيش
“حسان” يقطف نبته “الصبر” في إحدى جبال الضالع جنوب اليمن (ريف اليمن)

وبحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا) فإن اليمن لا يزال يعاني من مستويات مرتفعة من الفقر متعدد الأبعاد، مشيرة إلى عدم إحراز أي تقدم يُذكر في الحد من هذه الظاهرة خلال العقد الماضي، نتيجة للصراع المستمر وتأثيراته الكارثية.

ووفقا للتقرير فإن اليمن ينتمي إلى قائمة البلدان العربية الثلاث الأقل نمواً إلى جانب موريتانيا وجزر القمر، حيث تستمر معدلات الفقر متعدد الأبعاد مرتفعة رغم بعض التقدم الملحوظ في دول أخرى خلال الفترة بين 2013 و2023.

وأشارت الإسكوا إلى أن الصراع المستمر منذ عام 2015 تسبب في إعاقة التنمية وأدى إلى حالة طوارئ إنسانية مدمرة، وتسبب في نزوح أعداد كبيرة من الأسر، وتعطيل سلاسل الغذاء، بالإضافة إلى تدمير البنية التحتية الحيوية.

شارك الموضوع عبر: