بين مدرجات خضراء في ريف تعز، قرر مزارعون مثل عارف الحالمي وزينب التميمي أن يخوضوا تجربة مختلفة تمثلت بالزراعة العضوية كبديل مستدام يسعى للحفاظ على التربة وصحة الإنسان، وتحسين جودة الإنتاج الزراعي.
بحسب تعريفات الخبراء، فإن الزراعة العضوية هي نظام زراعي متكامل يقوم على إنتاج المحاصيل بالاعتماد على الموارد الطبيعية المتجددة، دون استخدام المواد الكيميائية المصنعة مثل الأسمدة والمبيدات الحشرية أو الهرمونات أو الكائنات المعدلة وراثيًا.
يوضح الحالمي (48 عامًا)، أحد رواد هذا التحول، أن اختياره للزراعة العضوية جاء انطلاقا من قناعة بجدواها البيئية والصحية؛ كونها لا تترك أي آثار جانبية على التربة والنبات، وتمنح المستهلك غذاءً آمنًا.
مواضيع مقترحة
-
الزراعة المستدامة.. وسيلة فعّالة لمواجهة التحديات المناخية
-
سبب التغيرات المناخية.. هل تتغير مواسم الزراعة؟
-
الزراعة التعاقدية.. شراكة ذكية وطوق نجاة للمزارعين
بدأ الحالمي الذي ينحدر من قرية المشجب بمديرية المعافر، التحول نهاية موسم 2024م بعد أن أثقلت تكاليف الزراعة الكيميائية كاهله وأضرت بمحاصيله، ويشير إلى أن الزراعة العضوية انعكست بشكل إيجابي على جودة محاصيله من الباميا والطماطم والبن والجوافة.
فوائد ملموسة وتكاليف أقل
ويلفت إلى أن الزرعة العضوية لها فوائد عديدة كتوفير المياه، والتقليل من استخدام المبيدات، مشيرا إلى أنها تراجعت بنسبة 75%، لأن المواد العضوية تحتوي على كم هائل من المضادات الحيوية، كما كان هناك وفرة في التغذية التكميلية بالمنتجات الكيميائية.
وعن أبرز التحديات التي واجهته، أوضح أن نقص المنتجات العضوية الطبيعية في السوق المحلي كان عائقًا كبيرًا، مشيرًا إلى أن ظهور منتج “جرين لايف” مؤخرًا كأول دفعة إنتاج من معمل تعز للأسمدة العضوية؛ ما ساهم في سد جزء من هذا النقص.
وعلى صعيد التكاليف، يوضح أن الزراعة الكيميائية كانت تكلفه نحو 10 ملايين ريال تشمل المبيدات والأسمدة ومياه الري، بينما انخفضت الكلفة باستخدام الأسمدة العضوية إلى 5 ملايين فقط، بعد أن استغنى عن 80% من المبيدات والأسمدة، ووفّر نصف تكاليف مياه الري، وكنتيجة لذلك ارتفع الإنتاج بنسبة 10%، وزاد عمر الأشجار.

المزارعة زينب التميمي (27 عامًا) خاضت هي الأخرى تجربة الزراعة العضوية، مؤكدة أن خيارها جاء لحماية صحة الإنسان والحيوان، وتقليل التلوث البيئي. وزرعت مجموعة واسعة من المحاصيل منها الطماطم والفلفل والخيار والبطيخ والكوسا والبيبر، والحبوب كالذرة والشعير.
وتقول خلال حديثها لـ”منصة ريف اليمن”: “واجهت تحديات ترتبط بتغير المناخ، والآفات الزراعية، ونقص المياه، وتدهور التربة”، موضحة أن التغيرات المناخية تؤثر بشكل مباشر على الإنتاج، بينما تتسبب الأمراض والآفات والحشرات بخسائر كبيرة.
تغير ملحوظ
رغم ذلك، تؤكد زينب أن جودة المنتجات العضوية أفضل من التقليدية، قائلة: “المذاق أفضل، ويعتقد كثيرون أن السبب يعود إلى استخدام الأساليب الطبيعية وزيادة القيمة الغذائية، إذ تحتوي المحاصيل العضوية على مستويات أعلى من المضادات الأكسدة والفيتامينات والمعادن”.
وتضيف أن الزراعة العضوية تحسن صحة التربة وتقلل من بقايا المبيدات الكيميائية، حيث إن المنتجات العضوية خالية منها تمامًا، وتعتبر زينب أن الزراعة العضوية فرصة حقيقية لزيادة الإنتاج، وتحسين الجودة، وخفض التكاليف، وفتح آفاق استثمارية جديدة.
ردود الفعل المجتمعية تجاه الزراعة العضوية في ريف تعز شهدت تغيرا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة، ففي البداية، أبدى كثير من المزارعين والمستهلكين تشككهم في جدوى هذه الممارسات مقارنة بالزراعة التقليدية، إلا أن النتائج التي حققها مزارعون مثل عارف الحالمي وزينب التميمي، ساهمت في تغيير هذه النظرة، ودفع المزيد من المزارعين إلى تبنيها.

ويوضح الخبير الزراعي سعيد الأسودي أن الزراعة العضوية كانت قد تراجعت في اليمن منذ تسعينيات القرن الماضي بسبب انتشار الأسمدة الكيميائية، لكنها بدأت تعود تدريجيًا بفعل الظروف البيئية الصعبة ونقص المياه.
تحديات الإنتاج والتسويق
ويشير الأسودي خلال حديثه لـ” منصة ريف اليمن”، إلى أن هذا النوع من الزراعة يتناسب مع طبيعة الريف في مناطق مثل المعافر والمواسط، حيث التربة الخصبة والموارد المائية المتوفرة، مؤكدًا أنها تساعد على إعادة خصوبة التربة وتحسين قوامها والحفاظ على رطوبتها، إضافة إلى تزويدها بكائنات دقيقة تعزز مقاومتها للأمراض.
غير أن الأسودي يلفت إلى أن من أبرز التحديات التي تواجه الزراعة العضوية في اليمن هو غياب معامل ومصانع كافية لإنتاج الأسمدة العضوية، فضلًا عن نقص المواد الخام، لكنه يشير إلى أن التكنولوجيا ساعدت في تحسين هذا القطاع عبر آلات التخمير والتعبئة، لكنها غير كافية لإزالة جميع العقبات.

وتُصنف اليمن حالياً واحدةً من أكثر الدول المتأثرة بالتغيّر المناخي وأقلها قدرة على مواجهة هذه التغيرات، ومع ذلك يمكن تدارك الوضع بتطبيق أساليب الزراعة المستدامة على أرض الواقع، وقد أثبتت نجاحا لدى كثير من المزارعين باتباع طرق متاحة وغير مكلفة.
من جانبه، يؤكد المهندس عبد الله الدعيس، مدير عام مكتب الزراعة في تعز، أن الدعم الحكومي للزراعة العضوية محدود جدًا، بسبب ضعف القدرات المؤسسية وتركيز السياسات الرسمية على تلبية الاحتياجات الغذائية السريعة.
ويضيف أن غياب خطط وطنية أو أطر تشريعية واضحة يشجع المزارعين على التردد في الاستثمار بهذا المجال> ويرى أن الدور الحكومي يجب أن يتمثل في سن قوانين ومعايير للزراعة العضوية، وتقديم حوافز مثل الإعفاءات الضريبية ودعم أسعار المدخلات، إلى جانب تمويل البحوث عبر مركز البحوث والمشاريع الدولية كالفاو.
واعتبر الدعيس خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أن ضعف وعي المزارعين يمثل عائقًا رئيسيًا، مؤكدًا على أهمية البرامج الإرشادية والتدريب العملي والكتيبات المبسطة، إضافة إلى دور الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي في نشر الوعي.
كما يلفت إلى أن ضعف توفر السماد العضوي بجودة عالية بسبب غياب المصانع وارتفاع التكاليف يزيد من صعوبة التحول إلى هذا النمط الزراعي، وتضاف إلى ذلك صعوبات التسويق في ظل غياب أسواق متخصصة للمنتجات العضوية؛ مما يقلل الحوافز الاقتصادية.

وبحسب الدعيس، فإن تأثير التغيرات المناخية وتدهور الموارد المائية والاستخدام المفرط للكيماويات في الماضي كلها عوامل عمّقت أزمة التربة الزراعية، وأصبح من الضروري إعادة تأهيلها لتواكب التحول نحو الزراعة العضوية.
مبادرات محلية
رغم هذه التحديات، شهدت محافظة تعز وبعض المحافظات المجاورة مبادرات محلية لدعم الزراعة العضوية وتعزيز الأمن الغذائي من خلال إنتاج محاصيل صحية خالية من الكيماويات، وتحسين دخل المزارعين عبر منتجات ذات قيمة سوقية أعلى مع الحفاظ على البيئة والتربة..
خلال حديثه لـ”منصة ريف اليمن”، أشار الدكتور فيصل الصبري، منسق مشاريع سبل العيش في إحدى الجمعيات الخيرية، إلى جهود بذلت في تدريب مئات المزارعين في مديريات المسراخ والشماتين والمعافر وصبر الموادم على زراعة الخضروات العضوية وتسويقها. ويضيف أن نجاح هذه المبادرات يعود إلى خصوبة الأراضي وتوفر المياه الجوفية، إلى جانب ارتفاع وعي المستهلكين بأهمية المنتجات الصحية.
وبيّن الصبري أن 80 مزارعًا في مديرية المواسط استفادوا من أنشطة ركزت على الزراعة العضوية ضمن مشاريع تنمية القرى؛ مما أسهم في خفض تكاليف الإنتاج وزيادة أرباحهم بنسبة تجاوزت 30%. كما تحسنت منتجاتهم في الأسواق المحلية، خاصة محاصيل الطماطم.
وتؤكد النجاحات التي حققها المزارعون -وإن كانت محدودة- قدرة هذا النظام على تعزيز الأمن الغذائي وحماية البيئة، غير أن استمراريته ما تزال بحاجة إلى دعم حكومي وتشريعي، وحوافز مالية، وبرامج تدريبية وإرشادية مستمرة.