الجفاف يهدد ينابيع المياه: نقص الأمطار يفاقم معاناة اليمنيين

تشهد اليمن جفاف مع بداية الموسم الزراعي وهطول الأمطار أقل من المعدل الطبيعي

الجفاف يهدد ينابيع المياه: نقص الأمطار يفاقم معاناة اليمنيين

تشهد اليمن جفاف مع بداية الموسم الزراعي وهطول الأمطار أقل من المعدل الطبيعي

يشكو سكان المناطق الريفية بمحافظة إب وسط اليمن، من تراجع كبير في ينابيع المياه النقية والتي يعتمد عليها الأهالي والسكان في تأمين المياه النقية الصالحة للشرب، وهذا يثير مخاوف السكان من جفاف تلك الينابيع.

ومع بداية موسم الأمطار الحالي، يشهد اليمن جفافاً يشبه الجفاف الحاصل خلال الأشهر الماضية وخاصة في المناطق الجبلية الوسطى، وفي الوقت الذي يؤثر هذا على الزراعة وسبل العيش للسكان، فإنه يهدد أيضاً مصادر المياه الصالحة للشرب في الريف.

وفي المناطق الجبلية يعتمد سكان الريف على مياه الينابيع كمصدر أساسي للحصول على المياه الصالحة للشرب، والتي يتم تغذيتها من الأمطار الموسمية، إذ تشهد محافظة إب موجة جفاف بسبب نقص هطول الأمطار منذ مطلع الموسم الزراعي في أبريل/ نيسان الماضي.


      مواضيع ذات صلة

الجفاف يهدد ينابيع المياه النقية

في قرية محطب الواقعة بريف السياني جنوبي محافظة إب، شهدت مياه الينابيع التي يعتمد عليه سكان القرية في تأمين مياه الشرب تراجعاً كبيراً، إذ تقول زينب (56 عاماً)، إنها لم تتمكن من الحصول على 20 لتراً من الماء منذ أسابيع.

وأضافت في حديث لمنصة ريف اليمن أن “شح المياه في العيون (الينابيع) دفعني وعائلتي للشرب من مياه الاستخدام المنزلي، وهي غير نقية ولا تصلح للشرب”، ورغم ذلك قالت إنها تشتريه بأسعار كبيرة، إذ يصل صهريج الماء (الوايت) لنحو 25 ألف ريال يمني (حوالي 47 دولاراً).


في المناطق الجبلية يعتمد سكان الريف على مياه الينابيع كمصدر أساسي للحصول على المياه الصالحة للشرب والتي يتم تغذيها من الأمطار الموسمية


يوجد في قرية محطب -وهي من أكبر القرى الريفية في مديرية السياني- خزانان لتجميع المياه، أحدهما في أعلى القرية عند المنبع، والآخر في وسطها؛ حيث يوزع على السكان أسبوعياً، وتحصل كل أسرة على 60 لتراً كل أسبوع، لكن تراجع غزارة نبع المياه الوحيد المتبقي في القرية يهدد مصدرهم الأساسي لمياه الشرب.

ومؤخرا تم بناء خزان لحفظ مياه الينابيع في القرية ذات الكثافة السكانية العالية، حيث كانت تهدر المياه النقية التي تنبع بغزارة خلال موسم الأمطار، وتتراجع تدريجيا خلال بقية العام، لكنها تؤمن الاحتياج الأساسي للسكان طوال السنة.

وفي سبتمبر/ أيلول عام 2023 نشرت “منصة ريف اليمن” تقريراً عن معاناة الأهالي، ونقلت مناشداتهم للمساعدة في بناء خزان لحفظ مياه أحد الينابيع الغزيرة، وهو ما دفع أحد رجال الأعمال للتبرع بتكلفة بناء خزان مطلع عام 2024، لكن القرية مازالت تحتاج حلاً لمشكلة المياه.

شحة المياه
مواطنون ينقلون ماء على ظهور الحمير بريف محافظة إب (ريف اليمن)

وقال “عصام قاسم (48 عاماً)”، وهو أحد سكان القرية إن “الخزان ساهم بشكل كبير في تخفيف معاناتنا المستمرة منذ سنوات، لكن شح الأمطار الموسمية هذا العام والعام الماضي، أدى إلى تراجع المياه بشكلٍ غير مسبوق”.

شهدت المحافظة خلال الموسم الماضي 2024 موجة جفاف استمرت نحو ثلاثة أشهر، أدت إلى تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية، وانخفاض منسوب مياه العيون والينابيع، وهذا يثير مخاوف السكان مع استمرار نقص هطول الأمطار هذا العام، في ظل تأثيرات التغيرات المناخية.

أخطار على الزراعة

ويؤثر نقص هطول الأمطار على الزراعة التي تعد أهم سبل العيش في المناطق الريفية، ووفق نشرة منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) في اليمن فإن “هناك اتجاهات واسعة النطاق للجفاف مقارنة بالمعدل الطبيعي، مما يشير إلى ظروف محتملة تشبه الجفاف في المرتفعات الوسطى، والمرتفعات الجنوبية، والمناطق الشرقية، باستثناء المناطق الساحلية للبحر الأحمر”.

وحذرت المنظمة من تراجع كبير في معدل هطول الأمطار على اليمن مع بداية الموسم الزراعي، والذي بدوره تسبب في تأخير الموسم، وتفاقم نضوب المياه الجوفية، وانعدام الأمن الغذائي، حيث تواجه أكثر من 50% من الأسر صعوبة في توفير الحد الأدنى من الغذاء.

ومقارنة بمتوسط هطول الأمطار السنوي في اليمن خلال 30 عاماً، فإن نقص الهطول تراوح بين 20% إلى 80% في معظم المناطق اليمنية، باستثناء شمال الحديدة وحجة؛ حيث سُجّلت زيادات طفيفة تتراوح بين 10% و20%، وفق بيانات الفاو.

وأدى نقص هطول الأمطار في أبريل الماضي، إلى تأخير الزراعة في المناطق التي تعتمد على الأمطار، وإجهاد في المحاصيل والمراعي، وتفاقم نضوب المياه الجوفية. وتشير بيانات الطقس العالمي (GFS) إلى توقعات باستمرار الأجواء الجافة على اليمن طيلة الأيام المتبقية من شهر مايو الجاري.

وسيطرت الأجواء الجافة في اليمن خلال الأشهر الماضية بفعل الرياح الشمالية الجافة، والتي تسببت في موجة جفاف واسعة خلال موسم الامطار هذا العام. وسجل مؤشر الإجهاد الزراعي (ASI) إجهادًا مائيًا بين 25% و55% في مناطق مثل ذمار والبيضاء وعمران، مما يعكس خطورة الوضع على الزراعة.


مقارنة بمتوسط هطول الأمطار السنوي في اليمن خلال 30 عاماً، فإن نقص الهطول تراوح بين 20% إلى 80% في معظم المناطق اليمنية


وتأخرت زراعة الذرة الرفيعة والدخن الموسمية في البيضاء وتعز وذمار وفق مزارعين، وصنّفها برنامج مراقبة المحاصيل GEOGLAM ضمن فئة “المراقبة” بسبب ضعف الإنبات وتقزم النباتات. وفي المرتفعات الوسطى، مثل إب وعمران، ظهرت مؤشرات على انخفاض الإنتاجية الزراعية نتيجة نقص الرطوبة والتأخر في زراعة المحاصيل.

مع بداية الموسم تعرضت المزروعات إلى إجهاد حراري بسبب الجفاف ونقص الأمطار (الفاو)

أزمة المياه

وأدت التغيرات المناخية التي شهدتها اليمن خلال الفترة الماضية إلى مضاعفة أزمة المياه، وانعكست سلباً على حياة السكان، وفاقمت معاناتهم؛ إذ يؤكد “توفيق غانم” المنحدر من السياني بمحافظة إب “توقف مشاريع المياه الحكومية في المناطق الريفية منذ اندلاع الحرب عام 2015”.

وأضاف غانم لمنصة ريف اليمن بأن “أسعار المياه تضاعفت بشكلٍ جنوني، ووصل سعر الصهريج (الوايت) إلى نحو 24 ألف ريال يمني (ما يعادل نحو 45 دولاراً أمريكياً)”، ويأتي ذلك في ظل أزمة إنسانية مستمرة، وتدهور في الأمن الغذائي لدى الأسر.

وأدت قلة هطول الأمطار إلى انخفاض منسوب المياه السطحية، وإعاقة تغذية مصادر الري التقليدية؛ مما فاقم استنزاف المياه الجوفية، وفق نشرة الفاو. وتعاني اليمن من شحة المياه، وكانت دراسة حديثة كشفت عن “انخفاض يتراوح بين مترين وستة أمتار سنوياً في مناطق مثل تهامة ووادي حضرموت”.

وخلال السنوات الماضية، أدت أزمة المناخ المتفاقمة إلى تخلخل دورة المياه، وخلفت أضرارا كبيرةً في مخزون المياه الجوفية، وتُعد اليمن من أكثر دول العالم تعرضًا لأزمة مائية مزمنة؛ إذ تقع ضمن حزام جغرافي يعرف بندرة الموارد المائية، وتُسيطر عليه ظروف مناخية قاسية تتراوح بين الجفاف وشبه الجفاف.

ويعتبر خبراء دوليون بأن اليمن يمثل الشاهد الأبرز -من بين أماكن قليلة في العالم- على تكشف التهديدات التي يفرضها تغير المناخ، فبعد أن كان بلدًا يعتمد بشكل كبير على الزراعة، هاجرت المجتمعات الزراعية إلى المدن بحثًا عن سبل عيش بديلة، بينما يتواصل الري غير المنظم لمن بقي منهم في الزراعة.

شارك الموضوع عبر:
الكاتب

مواضيع مقترحة: