قال المخرج والمهندس الزراعي أحمد السياني، إن الإعلام الزراعي يحمل طابعاً توعوياً يخدم المزارعين، ويعزز الإنتاج الزراعي، وليس دعائياً أو تجارياً، منتقداً غياب التقدير الرسمي، وعدم إدراج الإعلام الزراعي كمقرر في كليات الإعلام والزراعة.
وتحدث السياني في حوار صحفي مع “منصة ريف اليمن”، عن أهمية الإعلام الزراعي، ودوره في توعية المزارعين، والصعوبات والتحديات التي يواجهها العاملون في هذا المجال، كما تحدث عن مسيرته وخبرته المهنية في مجال الإرشاد والإعلام الزراعي، وعن واقع الإعلام الزراعي قديماً وحديثاً.
وأشار إلى أن ضعف التمويل كان أبرز التحديات التي واجهت إنتاج البرامج الزراعية؛ حيث لا يتعدى أجر المخرج الزراعي مئة ألف ريال، مقارنة بملايين تدفع لمخرجي الأعمال الترفيهية.
ودعا السياني إلى تأهيل إعلاميي الزراعة بالمعرفة الدقيقة، والاهتمام بجودة المحتوى، منوهاً بأن الإعلام الزراعي في اليمن اليوم بحاجة لدعم أكبر؛ لمواجهة ما يروج له عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي تركز على الإثارة والسلبيات، وتؤدي إلى الإضرار بسمعة المنتجات الوطنية من المزروعات.
ويعد المخرج والمهندس الزراعي “السياني” من رواد الإعلام الزراعي في اليمن، وتحدث في الحوار عن مسيرته في الانتقال من تخصصه كمهندس زراعي إلى الإعلام، واستعرض تأريخ الإرشاد التوعية الزراعية، وكيف صنعت البرامج الزراعية الأثر في المزارعين.
إلى نص المقابلة

- بداية كيف تأسس الإعلام الزراعي في اليمن، ومن أبرز رواده؟
تأسس الإعلام الزراعي بعد إعلان الجمهورية وتحديداً عبر إذاعة صنعاء، ويُعدّ الأستاذان علي يوسف الأمير وصالح العابد من أوائل رواده ومؤسسيه منذ عام 1967، ولهما الفضل الكبير في تشجيع المزارعين على زراعة العديد من الفواكه، مثل الموز، التفاح، البرتقال، والمانجو؛ حيث كانا يقومان بحملات إرشادية، ويعملان على إعداد وتقديم البرامج الإرشادية للمزارعين في الإذاعة؛ كبرنامج الزراعة والريف، ومن ثم انتقلا الى التلفزيون، وخلال فترة التعاونيات إبان فترة حكم الرئيس الراحل إبراهيم الحمدي كان لهما النشاط الأبرز في مجالهما، وكذلك في فترة المحليات، واستحقا بالفعل لقب صديقَيّ المزارعين.
أما في الصحافة، فقد كانت هناك صحيفة زراعية تصدر عن وزارة الزراعة، بالإضافة إلى نشرات دورية من المركز الوطني للإعلام الزراعي، ومجلات علمية خاصة بالبحوث الزراعية تصدر عن الهيئة العامة للبحوث الزراعية وعدد من الجامعات، مثل عدن، لحج، وذمار.
- يُنظر إليك كأحد رواد الإعلام الزراعي.. كيف كانت بدايتك؟
بعد تخرجي من الثانوية العامة في محافظة إب، التحقت بمعهد إب الزراعي، وتخرجت عام 1984 وحصلت على الترتيب الثالث، وحصلت على منحة للدراسة في المعهد الزراعي للكثافة الإنتاجية في الشرقية بمصر، المعروف حالياً بكلية التكنولوجيا والتنمية التابعة لجامعة الزقازيق، وهي محافظة زراعية.
السياني: الإعلام الزراعي يحمل طابعاً توعوياً يخدم المزارعين ويعزز الإنتاج ويحتاج للدعم لمواجهة الإشاعات التي تؤدي للإضرار بسمعة المنتج الزراعي
درست هناك أربع سنوات، واطَّلعت على تجارب ميدانية في الريف المصري، وبعد عودتي إلى اليمن، توظفت عام 1991، وكان الدكتور محمد الحورش يدير أحد المشاريع الزراعية، فطلب مني إعداد بحث عن البيئة، ثم رفع مذكرة لطلب تعييني في الإرشاد الزراعي.
- إذن، لم تبدأ بالإعلام الزراعي مباشرة؟
صحيح، بدأت في الإرشاد الزراعي، ثم طلب مني الدكتور الحورش تصوير حملات رش الآفات والجراد، في البداية اعترضت، وقلت إن تخصصي هو الإرشاد وليس الإعلام، لكنه أقنعني بأن الإعلام هو جزء من الإرشاد، ويستفيد منه المزارع والمجتمع بشكل عام.
- كيف تطور الأمر إلى إعداد وإخراج البرامج التلفزيونية؟
كان هدفنا في الارشاد الزراعي توسيع نطاق التأثير والوصول إلى شريحة أوسع من المزارعين، ووجدنا أن التلفزيون هو الوسيلة الأنسب. بدأنا بالبث الأرضي عبر القناة الأولى، ثم انتقلنا إلى البث الفضائي؛ ليصل إلى كل المحافظات والدول العربية.
- حدثنا عن هذه البرامج
أخرجت برامج “الزراعة والفلاح”، “أرضنا الطيبة”، و”المرشد الزراعي” لأكثر من 25 عاماً، وكانت تُبث كل أربعاء وخميس، كنا نقدم معلومات زراعية مفيدة. صحيح لم تكن في ذلك الوقت هناك طريقة لمعرفة نِسَب مشاهدة البرامج ومتابعتها، لكن كان المزارعون يراسلوننا عبر البريد، والبعض يأتي إلينا في وزارة الزراعة، ويطلبون منا الاستشارة، وكنا بالفعل نستجيب لحل مشاكل المزارعين عبر الإرشاد الزراعي ونعود بهدايا من محاصيلهم. اليوم تغيّر الحال، والمزارعون يسألون: ماذا ستقدمون لنا؟
- ما أبرز الصعوبات التي واجهتكم؟
واجهنا مشكلات كثيرة غالبيتها بسبب عدم وجود دعم مادي كافي من أجل إنتاج برامج متميزة، فالمخرج الزراعي الحكومي يعاني من تدنٍ شديد في الأجور، مقارنة بالمخرجين في البرامج الترفيهية أو الرياضية أو المسلسلات، مخرج البرامج الدرامية قد يتقاضى نحو 5 ملايين ريال، بينما مخرج البرامج الزراعية لا يحصل على أكثر من 100 ألف ريال، وهذا مؤسف.
- لماذا برأيك لم يُمنح الإعلام الزراعي التقدير الكافي؟
لأن المسؤولين لم يدركوا أهمية الإعلام الزراعي للمجتمع والاقتصاد الوطني، وكان من المفترض أن يُخصص في كليات الإعلام جزء من المنهج؛ خاصة بما يتعلق بالتوعية في الجانب الزراعي، كذلك في كلية الزراعة كان يجب أن تكون هناك مادة تعنى بالتوعية والإعلام الزراعي، يتم تعليم الطلاب كيف يمكن كتابة مواد صحفية جيدة معنية بالجوانب الزراعية، وكيفية الإعداد الجيد للبرامج، ووضع صور ومقاطع فيديو تخدم موضوع التوعية في الجانب الزراعي، وكيف يمكن أن يكون هناك اهتمام بالجانب الفني والمحتوى في البرامج الإذاعية والتلفزيونية.
- هل واجهتم عراقيل أثناء تنفيذ مهامكم؟
بالتأكيد كانت هناك منغصات تعيق أداء مهامنا؛ أبرزها ضعف التمويل كما أشرت سابقاً لإنتاج برامج وفلاشات توعوية، ورغم ذلك، واصلنا العمل بما هو متاح، ورفضنا دائماً تحويل برامجنا إلى إعلانات لمنتجات تجارية، كانت تتواصل معنا بعض شركات الأسمدة والمبيدات من أجل أن نعلن عن منتجاتهم ولكننا كنا نرفض.
كنا نذكر في برامجنا الأسماء العلمية للأسمدة والمبيدات، لأن عملنا إرشادي توعوي ولم يكن إعلاني ودعائي وتجاري، وهذا ما جعل برامجنا تحظى باحترام وتقدير المزارعين، وكنا نرشد المزارعين ألّا يشتروا أي مبيد، وألّا يقوموا بعمل أي حملات رش إلا عن طريق مكاتب وزارة الزراعة في المحافظات والمديريات، وذلك من أجل الحفاظ على سلامتهم، وعلى سلامة محاصيلهم الزراعية.
السياني: المسؤولون لم يدركوا أهمية الإعلام الزراعي، ويفترض أن يُخصص في كليات الإعلام والزراعة جزء من المنهج يتعلق بذلك
- هل هناك مواقف طريفة ما زالت عالقة في ذاكرتك؟
كثيرة، ونعتز بأننا عملنا على نشر الوعي من خلال نزولنا للحقول والمزارع والميادين في مختلف الأراضي اليمنية، وكان إعداد برامجنا قائماً على حل مشاكل كافة المحافظات والمناطق التي كنا نزورها، وأذكر موقفاً ظريفاً ذات يوم في حضرموت وأثناء تصوير الحقول، رشقنا شباب بالحجارة ظناً أننا نصور النساء! بعد أن راجعوا التصوير، اكتشفوا أنهم أخطأوا، واعتذروا.
- هل لاحظتم أثراً مباشراً لبرامجكم على المزارعين والمسؤولين؟
نعم، كنا نلفت أنظار المسؤولين، وساعدنا في إيصال أصوات المزارعين للمسؤولين، على سبيل المثال حشرة “المن الأسود” التي كانت تقضي على اللوزيات؛ كنا نوعي الناس بخطورتها، وفي ذات الوقت كنا نوصل الشكاوى للمسؤولين حتى يوفروا الموارد اللازمة للقضاء عليها، كنا نساهم أيضاً في تشجيع القرارات التي تعود بالفائدة على المزارعين وبالتالي على المجتمع ككل؛ ومنها قرارات عدم استيراد بعض أنواع الفواكه من خارج اليمن.
- كيف تعاملتم مع قضية زراعة القات؟
أكبر مشكلة أن زراعة القات أصبحت بديلاً عن الفواكه، بسبب العائد المالي السريع، فخلال الشهر الواحد يتم قطف القات مرتين، لكنها تستنزف المياه، وتُهلك التربة. وهناك الكثير ممن كانوا يزرعون الحبوب أصبحوا يتجهون الى زراعة القات؛ من أجل المردود المالي الكبير، لذلك، نحن في الإعلام الزراعي كنا نرفض تصوير مزارع القات، أو عرض أي محتوى يروج له، بل كنا نوجه المزارعين للبدائل الأفضل.
- هل لاحظت تغيراً في سلوك المزارعين وتفاعلهم؟
نعم، تغيّرت عادات كثيرة، سابقا كان غالبية الناس يعتمدون في زراعتهم على الأسمدة العضوية، وكانوا متمسكين بالمواعيد الزراعية وفق التقاويم الزراعية اليمنية القديمة، ووفق مواسم الأمطار، أما الآن أصبح المزارع يعتمد على الآلات والتكنولوجيا والمبيدات، ولم يعد يجد الوقت لمتابعة التلفاز؛ لأن الحياة أصبحت في عصر الرقمنة، وعصر السرعة في كل شيء.
- هل وجدتم تعاوناً مع وسائل الإعلام غير الحكومية؟
ظهرت العديد من القنوات الفضائية، لكنها للأسف لا تهتم كثيراً بالإرشاد الزراعي، كانت هناك محاولات لكنها لم تدم طويلاً، وأغلب البرامج في القنوات الفضائية غير الحكومية لا تقدم إعلاماً وإرشاداً زراعياً، وإنما تقدم مناظر من الأودية والحقول في مختلف المناطق اليمنية على أنها مناظر سياحية فقط.
السياني: ظهرت العديد من القنوات الفضائية لكنها للأسف لم تهتم كثيراً بالإرشاد الزراعي وكانت هناك محاولات لكنها لم تدم طويلاً
في عامي 2017 و2018، كنا على وشك إطلاق قناة زراعية، أعددنا لها خارطة برامج وبروموهات؛ للبث مدة شهرين متتاليين من مواد سابقة، لكن المشروع تعثر، الآن هناك تطبيق “المرشد الزراعي” التابع لوزارة الزراعة، وهو مفيد ومتاح للجميع، ويعنى بكل أنواع النباتات والمحاصيل الزراعية ومشاكلها، وطريقة زراعتها، وكيفية تحسين الإنتاج النباتي، وهو متاح للجميع للاستفادة منه.
- ما تقييمك للإعلام الزراعي اليوم؟
للأسف، أصبح الإعلام في منصات التواصل الاجتماعي قائماً على الإثارة والتركيز على السلبيات أكثر من الإيجابيات، وقد تؤدي هذه الإثارة إلى الإضرار بسمعة المنتجات الوطنية من المزروعات، مثلما حدث مع الحملة التي استهدفت فاكهة المانجو، والتي أدت إلى خسائر كبيرة.
ولحسن الحظ، نظم مزارعون وإعلاميون مهرجانات لدعم المانجو، ونُظمت حملات عفوية من قبل مزارعين ومواطنين وإعلاميين تضامناً مع المانجو وتصحيح الصورة، كما برزت بعض المنصات الإلكترونية المحلية التي تقدم إعلاماً وإرشاداً زراعياً جاداً. نشُدُّ على أيديهم، ونتمنى منهم تقديم المزيد.
- أخيرا.. ما نصيحتك للعاملين في الإعلام الزراعي اليوم؟
أن يكونوا مثقفين وومطلعين، ومُلمين بكل المعلومات المتصلة بالشأن الزراعي، وأن يعتنوا بالمحتوى كما يعتنون بالصوت والصورة.