الأطفال وجمع البلاستيك: بين لقمة العيش ومخاطر النفايات

تشير دراسة أممية إلى أن حوالي 65% من النفايات في اليمن عضوية

الأطفال وجمع البلاستيك: بين لقمة العيش ومخاطر النفايات

تشير دراسة أممية إلى أن حوالي 65% من النفايات في اليمن عضوية

في أحد أزقة قرية صبر بمحافظة لحج جنوبي اليمن يسير “علي” ذو العشرة أعوام حاملا على كتفه كيسا بلاستيكيا امتلأ بالقوارير الفارغة التي يقوم ببيعها من أجل تأمين الغذاء، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية التي تمر بها البلاد، وتراجع مصادر الدخل الريفي المعتادة.

بدأ علي عمله منذ أن كان في السابعة، يساعد أشقاءه في جمع المخلفات البلاستيكية، ويقضي ساعات طويلة يجوب الطرقات والقمامة بحثا عمَّا يمكن بيعه في مركز التجميع القريب. بالنسبة له أصبح جمع المخلفات مهنة صغيرة لكنها تحفظ لعائلته قوت يومها.

يبتسم الطفل وهو يقول لـ”منصة ريف اليمن”: “لم يعد في شوارع قريتنا أي قارورة بلاستيكية، نجمعها كلها ونبيعها كي نوفر مصاريف المدرسة وبعض احتياجات البيت”، وخلال السنوات الماضية لاقي هذا العمل رواجا كبيرا، وانضم إليه المئات نتيجة الظروف الاقتصادية التي تشهدها البلاد.


   مواضيع مقترحة

مصدر حياة

يضيف على: “لم يعد الأمر مقتصرا على المخلفات البلاستيكية بل بدأنا نجمع المخلفات الصلبة الأخرى مثل خردة الحديد والنحاس والأدوات المنزلية القديمة، ونذهب بها إلى مركز التجميع القريب من المنزل”، ويشير إلى أنهم يعملون بعد العودة من المدرسة وأيام الإجازات المدرسية يعملون بشكل مستمر.

لكن خلف هذه الصورة المضيئة لبيئة أنظف، تختبئ معاناة أوسع، وتحذر الناشطة المجتمعية “حنان أبو بكر” من تزايد عمالة الأطفال في الريف بعد الحرب، وتقول: “الأطفال يتسابقون لجمع النفايات لإطعام أسرهم، وهذا يحمل مخاطر صحية جسيمة عليهم رغم أثره الإيجابي على نظافة القرى”.

أما “أم محمد”، النازحة من الحديدة، فقد وجدت نفسها منذ سبع سنوات في قرية المحلة مع أطفالها، تجمع القوارير والمخلفات البسيطة لتأمين الطعام والماء، تقول بحزن: “أمنع أولادي من الذهاب إلى المقالب الكبيرة التي تحتوي على مخلفات طبية خوفا عليهم من التسمم، نكتفي بالبلاستيك والأدوات المنزلية القديمة”، لكنها رغم الخوف ترى في هذا العمل ملجأ لا غنى عنه.

في أحد أزقة قرية صبر بمحافظة لحج جنوبي اليمن، يسير علي ذو العشرة أعوام حاملا على كتفه كيسا بلاستيكيا امتلأ بالقوارير الفارغة التي يقوم ببيعها من أجل تأمين الغذاء، في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تمر بها البلاد، وتراجع مصادر الدخل الريفي المعتادة، مثل الزراعة؛ بسبب التغيرات المناخي.
دفعت الأوضاع المعيشية الصعبة الكثير من أفراد الأسر الريفية في محافظة لحج جنوبي اليمن، نحو العمل في جمع المخلفات البلاستيكية (ريف اليمن)

التقارير والدراسات تدعم هذه الشهادات، فبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تشكل النفايات العضوية 65% من المخلفات في اليمن، بينما تصل نسبة البلاستيك إلى 10%، والمعادن 6%. فيما تشير منصة “حلم أخضر” إلى أن إنتاج النفايات في الريف اليمني يقدر بـ0.3 – 0.4 كجم للفرد يوميًا.

تقول أم محمد لـ “منصة ريف اليمن”: “منذ أن قدمنا إلى محافظة لحج هاربين من جحيم الحرب في الحديدة، أعمل واطفالي بجمع المخلفات من مكب النفايات والطرقات، لتأمين احتياجاتنا اليومية رغم أن العائد المادي بسيط، إلا أن هذا هو الملجأ الوحيد في ظل الظروف الصعبة”.

ويؤكد معروف وهو أحد تجار المخلفات في قرية صبر بلحج، أن غالبية المواطنين يأتون بالمخلفات البلاستيكية بغرض بيعها، بسبب الظروف الاقتصادية القاسية التي يمرون به، ويضيف لـ “منصة ريف اليمن”: “نشتري منهم الكيلو البلاستيك بثلاثمائة ريال(0.18 دولار)، والكيلو الخردة الحديد بمائة ريال، أما الكيلو النحاس الأغلى نشتريه بسبعة ألف ريال (4 دولار)، والمخلفات الأخرى الأقل جودة بخمسين ريالا للكيلو، بالإضافة إلى البطاريات القديمة والتلفزيونات والكاويات، وبقية المخلفات المنزلية”.

لحج:حين تتحول النفايات إلى مصدر رزق وحياة
يواجه العاملون في جميع المخلفات البلاستيكية مخاطر صحية، إذ يؤكد الدكتور يعقوب العواجي، وجود أضرار صحية بجمع واستخدام البلاستيك (ريف اليمن)

وعند سؤاله أين تذهب هذه النفايات قال معروف إنها تذهب الى أحواش كبيرة لعدد من التجار بمنطقة الرباط “حوش الدكام” حيث يتم هناك الفرز والكبس لهذه المخلفات ومن ثم شحنها وإرسالها إلى الخارج عبر الميناء.

الظروف الاقتصادية دفعت كثيرين للعمل في هذا المجال، ويقول “محمد نمير” أحد سكان لحج إن مئات الأسر في ريف المحافظة وجدت في جمع النفايات وبيعها مصدر رزق لتغطية احتياجاتها اليومي مع قلة توفر فرص العمل، وحالة اللا إستقرار، وارتفاع قيمة صرف العملة الأجنبية مقابل الريال اليمني.

وأضاف نمير لـ “منصة ريف اليمن”: “جمع المخلفات أفرغ البيوت والحارات من النفايات المتراكمة وبالتالي أصبحت صحية أكثر، نطالب بإنشاء عدة محطات لإعادة التدوير داخل محافظة لحج للاستفادة من هذا الكم الهائل من النفايات وعكسه إلى داخل السوق، وتجنب هدر نفقات الشحن والتصدير، وأيضا توفير فرص عمل إضافية”.

عمل ذو حدين

المهندس “فتحي الصعو”، مدير مكتب البيئة بلحج، يصف هذا العمل بأنه “سيف ذو حدين”، إذ يوفر دخلا سريعا وينظف البيئة لكنه يعرض العاملين لمخاطر إذا لم يلتزموا بالاشتراطات الصحية. ويكشف الصعو عن وجود ورش تعريفية للمزارعين والمواطنين حول إدارة المخلفات.

وأضاف الصعو لـ “منصة ريف اليمن”: “وجهنا دعوة للمزارعين للتخلص منها فورا، كما أن العمل فيها يتلخص في الجمع، ثم الفرز في مراكز التجميع المتعددة في منطقة تبن والتي نحن على علم بعددها، ونصدر لأصحابها تراخيص مزاولة العمل، وبشروط تضمن سلامة البيئة”.

لحج:حين تتحول النفايات إلى مصدر رزق وحياة
مئات الأسر في ريف المحافظة وجدت في جمع النفايات وبيعها مصدر رزق لتغطية احتياجاتها اليومية (ريف اليمن)

وعن دور الجهات الرسمية أجاب قائلا: “قمنا بتنفيذ عدة ورش تعريفية بإدارة المخلفات لعدد من المزارعين والطلبة والمواطنين بقصد كيفية التعامل معها من خلال تجميعها والتخلص أو بيعها وبما لا يضر بالبيئة”.

كما أشار إلى أن هناك بادرة استثمار جيدة في منطقة الفشلة لأحد المستثمرين بإنشاء مصنع لإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية والاستفادة منها، وهذا يتعدى صناعة جمع المخلفات في لحج، والاكتفاء بشحنها بعد فرزها.

مخاطر صحية

يواجه العاملون في جميع المخلفات البلاستيكية مخاطر صحية، ويكشف الدكتور “يعقوب العواجي” عن الوجه المظلم للبلاستيك قائلا: “هذه المواد تحتوي على مركبات خطرة كالديوكسين، وقد تسبب أمراضا خطيرة كالسكري والعقم واضطرابات هرمونية ومشاكل في الجهاز المناعي والجلد والرئة”.

وينصح الدكتور العواجي بعدم جمع مادة البلاستيك؛ كونها تسبب مشاكل كثيرة في التنفس والتلوث، وقد تنقل الأم بسبب عملها في جمع البلاستيك التلوث أو المرض إلى أطفالها، وكذلك الأطفال قد يسبب لهم تلوثا وأمراضا في التنفس وأمراضاً جلدية. ويوصي العواجي من يضطرون للعمل في جمع المخلفات باستخدام كمامات وقفازات وملابس خاصة لتقليل الأخطار الصحية.

تشير دراسة أعدها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في اليمن إلى أن حوالي 65 % من النفايات في اليمن عضوية، والباقي يتكون من 10% بلاستيك، و 7% من الورق، و 6% من المعادن، و 1% من الزجاج و 11% أنواع أخرى.

شارك الموضوع عبر:

الكاتب

    مواضيع مقترحة: